كتاب سيكولوجيا الجماهير ل غوستاف لوبون
ما اللذي فعله هتلر على الشعب الالماني المثقف حتى استطاع اقناعه بتفوق الجنس الآري هل مارس السحر على الشعب الألماني و كذلك المرشد الأسبق الخميني كيف استطاع هو كذلك اقناع الايرانيين ومعهم الكثير من الشيعه العرب ببدعة إمامة صاحب الزمان وولاية الفقيه وكيف استطاع هتلر والخميني من إقناع أتباعهم بالتضحيه بأنفسهم من اجل تحقيق أهدافهم، فهل هناك قدرات خارقه تسهل على هؤلاء القادة التحكم في تصرفات الناس وعقولهم، ام ان الأمر متعلق بالجماهير بحد ذاتها، يعني ان هناك نقاط ضعف لهذه الجماهيير او أن هذا الامر وراءه قصة معينة ؟؟ أول من أجاب عن هذه التساؤلات هو غوستاف لوبون عام 1845 يعني بعد 100 سنه من اندلاع الثورة الفرنسية وذلك في كتابه الرائع سيكولوجيا الجماهير وتكمن قوه هذا الكتاب في الصفات الإستثنائية لمؤلفه فغوستاف لوبون هو فيلسوف وطبيب وباحث في علم الاجتماع اي أنه جمع بين العلوم الانسانية و العلوم الطبيعية لذلك كان كتابه سيكولوجية الجماهير ” psychologie des foules ” بمثابه اللبنة الأولى لتأسيس علم جديد وهوعلم النفس الاجتماعي أو سيكولوجية الجماهير وهل هذا يعني أن علم النفس بالنسبه للفرد يختلف عن علم النفس الجماعي، نعم وهذا ما كشف عنه غوستاف لوبون وعلم النفس الاجتماعي هو علم سيء السمعة في أوساط العلوم الأخرى حيث أن الطغاة إستغلوه من اجل التحكم بشعوبهم ونؤكد على أن الدعاة والمصلحين والمؤثرين واللذين لهم جماهير هم أولى بهذا العلم من اولئك الطغاه وإطلاعهم عليه واجب، فالطغاة يستغلوه من أجل زرع الإحباط في شعوبنا الشعوب الاسلامية اقصد، بإمكان المصلحين والدعاة الإستفادة منه من أجل توجيه الناس للرفعة والكرامة وبناء الحضارة، بداية نطلب منكم ان تقرأوا هذا الكتاب وسنذكر بعض النقاط المهمة التي جاءت فيه وساتركم لكم رابط تحميل كتاب سيكولوجية الجماهير pdf في أسفل المقال ..
يقول غوستاف لوبون إن الفرد عندما ينضم الى جماعة أو جمهور ما تطرأ عليه تغيرات معينة فيمتلك بذلك صفات لم يكن يملكها وهو بمفرده فعقله الواعي يصبح في أضعف حالاته مقابل العقل الجمعي وكذلك عواطفه تصبح مرتبط بعاطفة الجمهور الجياشة ،وكذلك أحدثكم عن تجربة لصديق ذهب مع صديق آخر له إلى مباراة كرة القدم مع أن صديقنا لا يفقه شيئا في هذه اللعبة إلا أنه اندمج مع الجمهور وبدأا يردد عبارات وكذلك عبارات بذيئة وهو لا يشعر وكذلك يتحمس للأهداف وغيرها مما يفعله الجمهور ” الألتراس ” حتى إنتهت المقابلة وذهب كل من الأصدقاء إلى حال سبيله أي بمعنى عاد لصديقنا عقله الواعي حينئذ انتبه لكل ما حدث، فحسب الكتاب فصديقنا فرد ضمن هذا الجمهور لم يكن عقله الواعي حاضرا بل العقل الجماعي المرتبط بالجماعة التي ارتبط بها هذا الامر أعطاه إحساس بالقوة وجعله لا يتحمل مسؤولية ولا يخشى العواقب وبالتالي صدر منه سلوك يستحيل ان يصدر منه وهو بمفرده، قال الله تعالى (إن الانسان ليطغى أن راه أستغنى) بمجرد أن يحس الانسان بالقوة يبدأ بالتمرد على المبادئ والقيم وتبدأ غرائزه بدفعه نحو تجاوز الخطوط الحمراء فخلاصة الفكره الاولى ان الانسان بمجرد ان يصبح من جماعه او جمهور يكتسب صفات جديدة ويتعطل عقله ويصبح دمية يحركها الجمهور.
بعد ذلك يقدم الكاتب توصيف عجيبا عن الجماهير فيقول إن الجمهور كائن عاطفي وكي أكون دقيقا اكثر معكم يقول غوستاف لوبون إن الجمهور أنثوي أي أن عواطف الجماهير تشبه كثيرا عواطف المرأة فالجمهور متطرف في عواطفه، إذا تعاطف الجمهور مع قضيه ما أو شخص ما يتحول هذا التعاطف الى تقديس وتعظيم واذا نفر الجمهور من قضية ما او شخص ما يتحول هذا النفور الى كره وحقد وبالتالي فالجماهير لا تعرف الوسطية والاعتدال في المواقف يعني لا وجود للموضوعية في قاموس الجماهير يضيف الكاتب ان الجماهير سريع التأثر فهي قد تحب شخص ما حبا شديدا لكن حبها يتحول الى كره في رمشه عين كذلك في الصفات المشتركة لدى الجماهيرهي السذاجة وسرعة التصديق هذا راجع الى ان الجماهير تتاثر بالافكار المثيرة وليست افكار عقلانيه والمنطق لذلك فمثلا على مواقع التواصل الاجتماعي نجد ان الناس يتداولون بكثافه الإشاعات مثلا بأن كوكب القمر سيصطدم بالارض بعد ثلاثة أيام ولا يتفاعلون مع الأخبار الصحيحة والمعقولة أيضا يقول الكاتب أن الجماهير متعصبة وإستبدادية فهي لا تقبل ان يناقشها أحد يختلف معها في الرأي وهذا ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد ان تنتقد شخصية ما أو قناعه ما حتى تنزل عليك الاف التعليقات الغاضبة والعنيفة لتمنعك من إبداء رأيك في مسألة أخرى مهمة كذلك وقبل صدور هذا كتاب سيكولوجية الجماهير كان سائدا آنذاك أن الجماهير كلها متوحشة وغوغائية كما كان يروج ذلك الفلاسفة الايطاليون لكن غوستاف لوبون جاء بحقيقة جديده وهي أن لكل جمهور قائد او عنصر محرض وكون الجمهور فوضوي او منضبط ، عنيف أو مسالم فهو مرتبط بالاساس بالقائد او العنصر المحرض وهذا ما لا يتعارض مع ما ورد عندنا كمسلمين في الأثر إذا صلح الراعي صلحة الرعية فالراعي هو القائد او المحرض للجماهير فبإمكانه ان يوجه الجماهير نحو الخير أو الشر.
بقي ان نتعرف على أساليب التاثير على الجماهير هذه أهم فقرة حسب بعض المتخصصين لانها تتحدث عن تحويل الافكار المعقدة الى قناعات تسري في وجدان الناس فالكاتب يرى ان التغيير السياسي اشبه بقمة الجليد وان التغيير الحقيقي هو تغيير الافكار لذلك ففهموا هذه العملية عملية تحويل الافكار الى قناعات لها أهمية قصوى يقول الكاتب هناك ثلاث اساليب للتاثير في الجماهير تبسيط الافكار، الخيال التكرار بالنسبه للأسلوب الاول كما قلنا سابقا ان الجماهير عاطفية وغير عقلانية وبالتالي فعلى الراغب في التاثير على الجماهير ان يحول افكاره المعقده الى افكار بسيطه وسهله ومحفزة لذلك مثلا نجد ان القاده حملت مشاريع التغيير كانت لهم افكار معقده ولعلمهم بهذه الحقيقه قاموا بتبسيط افكارهم للناس وافضل مثال على هذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فحين أراد ان ينشر الاسلام والاسلام كما تعلمون مشروع معقد وافكار كبيرة وشاملة لذلك قام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتبسيط الفكرة للناس فكما ورد في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم سأله عمه ابو طالب يا ابن اخي ماذا تريد منه منهم يقصد القوم فاجابه النبي صلى الله عليه وسلم اريد منهم كلمة واحده يملكون بها العرب ويؤدون بها الجزية العجم قال لا اله الا الله . الاسلوب الثاني كما ورد في الكتاب وهو الخيال والصور خلال الغزو الامريكي على العراق استشهد مليون عراقي من بين الشهداء شاب اسمه عماد، عماد كان طبيبا اسنان ناجح كان طويلا واشقر الشعر في احد الايام كان عماد متجها الى عمله بسيارته الفخمه الحمراء فنزل عليه صاروخ مما ادى الى استشهاده على الفور طبعا انت ايها المشاهد الكريم اذا كنت انسانا عاديا فعقلك سيتجاهل المليون شهيد وسيركز على قصه عماد التي لا اساس لها والسبب انني اعطيتك معلومات مفصلة على عماد وحفزت عقلك على تشكيل صورة، تخيل أن زوجة عماد تروي هذه القصه وهي تبكي فلا شك ان تاثرك وتفاعلك مع القصة يكون كبيرا، إذا الذي يشكل آراء الجماهير ليس هي الاحداث وانما الطريقة التي يتم عرض بها هذه الاحداث اذا الكلمات والافكار لن يكون لها اي مفعول ما لم تخلق صورا و خيالات في أذهان الناس بإختصار يقول غوستاف لوبون إذا أردت أن تسيطر على هذا المارد التحكم في الصورة، وهذا ما يفسر عدم تفاعل الناس مع أخبار استشهاد آلاف السوريين والعراقيين في حين اننا نجدهم يتفاعلون مع خبر مقتل جورج فلويد بالولايات المتحده الامريكية ولهذا السبب أيضا نجد ان القران الكريم مليء بالقصص والتوصفات للجنة والنار ويوم الحساب الى آخره والسبب ان الصورة تعزز الافكار والقناعات في اذهان الناس.
ثالثا أسلوب التكرار والتأكيد بداية فنفس الوسائل التي تؤثر على اللاوعي لدى الفرد هي نفسها التي تؤثر على اللاوعي لذا الجماهير ومن أهم تلك الوسائل التكرار والتأكيد يقول الدكتور محمد عياش الكبيسي ” إنه إذا أردنا أن نعرف أهم قيم’ من القيم الاسلامية فيجب ان ننظر إلى القيمة التي تكررت في القران الكريم كثيرا فيقول ان أعظم قيمة من القيم الاسلامية هي قيمه الرحمة وذلك لأن كل سور القرآن بإستثناء سورة التوبة كلها بدات ب بسم الله الرحمن الرحيم وهذا ما يؤكد قوله تعالى (وما ارسلناك الا رحمه للعالمين) اذا بعد ان ذكرنا الاساليب الثلاث للتأثير في الجماهير بقي ان نذكر وجهه نظر الكاتب في القائد المؤثر يقول غوستاف لوبون إن الجماهير لا تخضع للقائد الطيب فهي تعتبر القائد الطيب ضعيف وهي تميل الى القائد القوي والحازم ويقول كذلك إن القادة المؤثرين عبر التاريخ كانوا يمتلكون مهارات الخطابة وكانوا بارعين في فهمي عواطف الجماهير واستغلالها لصالحهم ويضرب مثلا نابليون بونابرت الذي كان يزرع في نفسي من يقابل إنطباعا غريبا بأن عليه ان يطيعه وبالفعل كانت الجماهير الفرنسية تطيعه رغم انه سلبهمم جزءا كبيرا من حرياتهم التي ناضلوا من أجلها في ثورتهم.
وفي الختام نريد ان نقول ان الله تعالى جعل للجماهير الخصائص والمميزات التي تحدثنا عنها لغايات واهداف ونزعم ان اهم دور لسيكولوجيا الجماهير هي ضمان استمرار سنة التدافع فلو لم تكن تمتلك تلك الصفات والمميزات لما عرف التاريخ صعود حضارات وانهيار اخرى.