الاغتيال الاقتصادي للأمم أو اعترافات قاتل اقتصادي لجون بيركنز
يُعد كتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم أو “اعترافات قاتل اقتصادي” لجون بيركنز من أهم الكتب التي تكشف خفايا النظام العالمي، وتسلط الضوء على آليات السيطرة الاقتصادية التي يمارسها هذا النظام على الشعوب والدول النامية. يتناول بيركنز، الذي عمل في منصب خبير اقتصادي، الأساليب التي تعتمدها الشركات الأمريكية والحكومة الأمريكية لفرض سيطرتها على البلدان النامية عبر ثلاثة أنماط رئيسية، موضحًا كيفية إغراق هذه الدول في الديون وإبقائها تحت السيطرة.
النمط الأول: السيطرة عبر الإغراق بالديون
في هذا النمط، تُقدَّم للبلدان النامية دراسات اقتصادية مضللة تشجعها على اقتراض مبالغ ضخمة بغية تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى التحديث واستغلال الموارد الطبيعية. تُنفّذ هذه المشاريع بالتعاون مع شركات أمريكية، ما يعود على هذه الشركات بأرباح ضخمة، بينما تتعثر الدول النامية في تحقيق العوائد المتوقعة. وفي النهاية، تُغرق هذه الدول في ديون لا تستطيع سدادها، فتضطر إلى بيع مواردها والتنازل عن مواقفها السياسية لصالح الشركات والدولة الأمريكية.
أما إذا كانت هناك قيادة وطنية قوية وواعية بهذه المخططات، فإن الولايات المتحدة غالبًا ما تتخذ إجراءات متطرفة للتخلص منها؛ إذ تقوم إما باغتيالهم أو تنظيم انقلاب عسكري لإقامة حكومة عميلة تنفذ أجنداتها الاقتصادية والسياسية.
وفي حال فشلت هذه العمليات بسبب قوة النظام الحاكم وتماسكه، تلجأ الولايات المتحدة إلى الحل الأخير وهو التدخل العسكري واحتلال الدولة المستهدفة بحجة “إعادة الإعمار”، ومن ثم تُفرض السيطرة الكاملة على موارد البلاد، وأكبر مثال على هذا احتلال العراق واجتثاث حزب البعث وتقسيم اقتصاد العراق بين الشركات الأمريكية.
النمط الثاني: السيطرة عبر الشراكات الاقتصادية
في الدول الغنية التي تمتلك موارد مالية ضخمة، مثل المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الإيرانية، تكون السيطرة عبر استراتيجيات مختلفة، إذ توضع خطط ضخمة للتوسع الاقتصادي تعتمد على فساد العائلة الحاكمة والبطانة التي حولها، وتؤسس على التحديث العمراني والصناعي الذي يتم بتمويل الشركات الأمريكية. يتم بناء مدن وصناعات جديدة تحتاج إلى خبرات أجنبية وعقود صيانة وتشغيل طويلة الأمد، مما يجعل البلاد تعتمد فعليًا على الغرب وأمريكا، وتكتسب بذلك الطابع الثقافي والاقتصادي الغربي، ما يضعف ثقافتها المحلية واستقلالها الفعلي.
النمط الثالث: استنزاف الموارد عبر الاستهلاك والعمالة الرخيصة
يتضمن النمط الثالث استنزاف الدول النامية عن طريق فتحها كسوق للاستهلاك، حيث تُستهلك فيها المنتجات الغربية، وتُستنزف مواردها الطبيعية والبشرية دون تحقيق عوائد حقيقية تعود بالفائدة على الشعب. كما تستخدم القوى الاقتصادية الكبرى هذه الدول كمنابع للعمالة الرخيصة لإنتاج كميات ضخمة من السلع بأقل التكاليف الممكنة وفي بيئات عمل غير إنسانية. وحين تستنفد هذه القوى كل الإمكانيات والموارد، تغادر البلاد بعد أن تكون قد تركت خلفها موارد مستنزفة وشعوبًا تعاني.
توبة وتطهر: رؤية شخصية لبيركنز
يظهر جون بيركنز في كتابه كرجل يعبر عن ندمه على دوره السابق، كاشفًا عن تجاربه ومعترفًا بمساهمته في هذا “الإجرام” الذي يشكله النظام الرأسمالي العالمي. وبالرغم من أنه تم تهديده بالقتل ورشوة نصف مليون دولار إلا أن جون بيركنز في هذا الكتاب يعبر عن محاولة توبة وتطهر صادقة، حيث يكشف بيركنز هذه الحقائق للجمهور على أمل توعية القراء بتلك الأنماط الاقتصادية التي تستغل الشعوب.
لغة الاغتيال الاقتصادي للأمم وترجمته
يُقدَّم الكتاب بأسلوب أدبي مميز، مكتوب بأسلوب سهل وسلس يتخذ صيغة سردية، مما يجعله قريبًا من رواية شيقة تسرد حياة المؤلف وتجاربه. وقد حظي بترجمة رائعة أضفت عليه سلاسة وواقعية، مما يسهم في إيصال رسالة الكتاب بشكل واضح ومؤثر. تُعد هذه الترجمة بمثابة تحية وشكر للمترجمين الذين نقلوا هذا العمل بأسلوب جذاب.
لماذا يجب عليك قراءة كتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم أو “اعترافات قاتل اقتصادي”؟
يعتبر كتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم أو “اعترافات قاتل اقتصادي” مرجعًا هامًا لفهم الآليات الخفية التي تحرك الاقتصاد العالمي وتؤثر على حياة الشعوب. هذا الكتاب يطرح تساؤلات كبيرة حول أخلاقيات النظام الرأسمالي، ويُعد دعوة للتفكير في الأنماط الاقتصادية والسياسية التي تفرضها القوى الكبرى على الدول النامية.
إذا كنت تبحث عن فهم أعمق للعولمة وأبعادها الاقتصادية والسياسية، فإن قراءة هذا الكتاب ستفتح عينيك على جوانب عديدة من تلك العلاقات المعقدة، وتكشف لك الوجه الحقيقي للعلاقات الاقتصادية الدولية.